الإصلاح، وليس صناديق الاقتراع، هو العلاج لمشاكل تونس
بينما تتجه تونس نحو انتخابات ضخمة من المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، فإن الأشهر القليلة المقبلة ستكون محفوفة بعواقب عميقة – وليس فقط على مسار “الديمقراطية” الذي تسلكه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. ومما هو على المحك أيضاً ما إذا كان الواقع المعيشي للتونسيين – بعد ثلاث سنوات مضطربة في ظل النظام الرفيع المستوى للرئيس قيس سيد – سوف يصم آذانهم عن تطلعاتهم المسروقة أو يستسلم للوضع الراهن.
لقد أدت المعضلات التشريعية الفوضوية والصبيانية إلى تآكل الثقة بالكامل في العملية الديمقراطية حيث ابتعد التونسيون عن السياسة وتبنوا نهجا يهدف إلى تعزيز سلطة سعيد في الرئاسة. ومن 2019 إلى 2021، تحول مجلس نواب الشعب، بدلا من أن يكون منارة للديمقراطية الجديدة، إلى ساحة اضطراب مستمر بسبب تصرفات المنظمتين، الحزب التيستوري الحر وتحالف الكرامة. وباستخدام قوتها المشتركة البالغة 38 مقعداً في المجلس المؤلف من 217 عضواً، أعطت هذه الأحزاب الأولوية للمضمون، وانخرطت في مشاحنات لفظية وجسدية، وقامت “بالتهميش” ــ أي خلق حالة من الفوضى الجماهيرية.
ولم تصبح هذه المعركة الدراماتيكية، التي تم بثها علناً ونوقشت على نطاق واسع، مجرد استعارة بصرية للخلل الوظيفي فحسب، بل أصبحت تجربة مباشرة للفشل السياسي بالنسبة للعديد من التونسيين. حوادث دراماتيكية لا تتفق مع القيادة المبدئية – تآكلت ثقة الجمهور بسبب الشجار والاعتداءات الجسدية التي بدأها النواب في قصر بارتو.
وعلى هذه الخلفية، أصبح صعود سيد مؤكداً. وكانت حملته، التي تضمنت خطابات مناهضة للفساد، ومناهضة للمؤسسة، موجهة بشكل مباشر إلى الناس الذين سئموا مشاهدة البرلمان الذي بدا أشبه بالسيرك أكثر من كونه ملاذا للممارسة الديمقراطية. وقد قوبلت تصرفاته المبكرة عند توليه منصبه ــ ولا سيما تعليق البرلمان في يوليو/تموز 2021 ــ في البداية بالارتياح والاحتفال، وليس بالخوف.
ومع ذلك، فإن التدخلات التي كانت تعتبر في البداية تدابير مؤقتة ضد الاضطراب أصبحت دائمة. ولم يحدث هذا التركيز بمعزل عن غيره، بل إن ما سهّله هو الافتقار إلى بدائل قابلة للتطبيق من شأنها أن توفر الاستقرار والالتزام الحقيقي بمعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تونس بشكل منهجي.
ونتيجة لذلك، فإن المشاركة السياسية في تونس تنبع جزئياً على الأقل من الاعتراف بوجود مجال سياسي قاحل حيث يبدو القادة القادرون على معالجة مشاكل مثل عدم الاستقرار الاقتصادي والصحة العامة والفساد أكثر أسطورة من الخيارات الانتخابية ذات المصداقية. ونتيجة لذلك، أصبح هذا الاستياء الواسع النطاق جزءا لا يتجزأ من الحمض النووي السياسي للبلاد، الأمر الذي شكل توقعات ومفاهيم الحكم وسط أنقاض ما كان ذات يوم ديمقراطية واعدة.
وينبغي للمثل الطموحة للتعددية السياسية أن تحفز على بدء وتنفيذ إصلاحات حقيقية.
حفيظ القويل
في قلب المأساة الانتخابية في تونس يكمن الآن اعتقاد عميق بين المواطنين بأنه بغض النظر عمن يعيش في قصر قرطاج أو الوعود التي يقدمها الشعبويون المتحمسون، فإن لا أحد يستطيع تحقيق التغييرات التي تشتد الحاجة إليها في تونس. بالنسبة للكثيرين، تبدو تطلعات ثورة الياسمين الآن وكأنها ذكريات بعيدة، حل محلها واقع الركود الاقتصادي والخطاب السياسي المضلل.
ومع ذلك، فإن التحدي الأكثر خبثاً واستدامة للتجربة الديمقراطية في تونس هو اللامبالاة المؤقتة التي تتحول إلى فك الارتباط الدائم بين المواطنين. وهذه ليست مجرد علامة على الإرهاق السياسي؛ إنها استجابة عقلانية لنظام لا يستجيب بشكل أساسي لاحتياجات وتطلعات شعب متعطش للتغيير. وبالتالي، فإن الروايات الرسمية التي تسعى إلى تأطير المشاركة الانتخابية كدليل على الشرعية الديمقراطية تبدو جوفاء بالنسبة للأشخاص الذين لم يشهدوا تقدما يذكر في حياتهم اليومية منذ عام 2011.
ونظراً لهذه الديناميكيات فإن الدعوة إلى الديمقراطيات الغربية واضحة: إن الإصرار على استخدام صناديق الاقتراع كعلاج سحري للمحن التي تعيشها تونس ليس في محله. ورغم أن الانتخابات الحرة والنزيهة تشكل حجر الزاوية في أي ديمقراطية، إلا أنها لا تستطيع حل المشاكل العميقة التي تواجه المجتمع التونسي. ولابد أن يركز الدعم الدولي على تشجيع وتنفيذ عملية الإصلاح الشامل الحقيقية، رغم أنها بالغة الصعوبة، وليس على تخريبها من خلال الاعتماد على الانتهاكات الاقتصادية أو غض الطرف عن القمع غير المتصاعد.
إن المجالات الحاسمة الجاهزة للإصلاح هي استقلال القضاء، وضمان سيادة القانون على النفعية السياسية أو التدخل. إن تعزيز المحاكم لن يحمي حقوق الإنسان فحسب، بل سيعزز أيضاً ثقة المستثمرين، وهو عنصر حيوي في التعافي الاقتصادي. كما أن تحسين الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة يمكن أن يعيد بناء الثقة المحطمة بين الدولة ومواطنيها. ومن خلال دعم المبادرات الرامية إلى تعزيز ممارسات الحكم الرشيد، يستطيع الحلفاء الغربيون أن يساهموا في تعزيز بيئة سياسية تفضل الانفتاح على الشفافية.
وبالمثل، ينبغي للسياسات الاقتصادية أن تنتقل من تدابير التقشف إلى استراتيجيات التنمية المستدامة التي تعطي الأولوية لتشغيل الشباب، والابتكار التكنولوجي، ومصادر الطاقة المتجددة. بالنسبة لتونس، يجب أن تشجع المُثُل الطموحة للتعددية السياسية على بدء وتنفيذ إصلاحات حقيقية من شأنها أن تساعد البلاد على تجنب الإصلاحات قصيرة المدى لصالح الاستقرار والنمو المستدامين. إن تشجيع الإصلاحات التي طال انتظارها أفضل كثيراً من الاعتماد على عمليات انتخابية مشكوك فيها في بيئة قمعية تفضل الوضع الراهن.
ففي نهاية المطاف، لا يكمن التقدم الحقيقي في الأمل العقيم بنتائج متباينة للانتخابات في ظل نظام معيب، بل في السعي الحثيث إلى تنفيذ الإصلاحات المصممة لمعالجة التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع التونسي اليوم.
- حافظ الغويل هو زميل أول ومدير تنفيذي لمبادرة شمال أفريقيا في معهد السياسة الخارجية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن العاصمة. عاشرًا: @HafedAlGhwell
إخلاء المسؤولية: الآراء التي عبر عنها الكتاب في هذا القسم خاصة بهم ولا تعكس بالضرورة آراء عرب نيوز.
“مخضرم وسائل الإعلام الاجتماعية. هواة الطعام. رائد ثقافة البوب. النينجا التليفزيوني.”
More Stories
الانتقام في الشرق الأوسط: هل إيران التالية بالنسبة لحزب الله؟
البرازيل تهدد بإيقاف القاضي X عن العمل خلال 24 ساعة
تعلن المؤسسة العربية الأمريكية عن المتحدثين والفنانين، تواصل مع أمريكا العربية: قمة التمكين 25-26 أكتوبر 2024