يوفر التنويع الاقتصادي للعراق طريقًا نحو الاستقرار والازدهار
تحت سطح الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط تكمن قضية حرجة: الحاجة الملحة إلى التنويع. إن الاعتماد الكبير على قطاعي النفط والغاز يعرض البلاد لتقلبات أسعار النفط العالمية ويعوق قدرتها على تحقيق النمو المستدام. والآن أكثر من أي وقت مضى، لم يعد تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي مجرد خيار، بل ضرورة لازدهار العراق في المستقبل.
ويردد البنك الدولي هذا الشعور، مشددًا على حاجة العراق إلى التخلص من اعتماده على النفط وتبني مشهد اقتصادي أكثر تنوعًا. على مدى العقد الماضي، شكلت عائدات النفط نسبة مذهلة بلغت 99% من الصادرات، و85% من الميزانيات الحكومية، و42% من الناتج المحلي الإجمالي. إن الاعتماد المفرط على سلعة واحدة يعرض العراق لصدمات اقتصادية كبيرة، مما يضعف مرونته المالية ويعوق قدرته على تحمل الانكماش الاقتصادي.
ومن أجل تحقيق إمكاناته الاقتصادية وتعزيز الاستقرار على المدى الطويل، يمكن للعراق أن يتخذ عدة خطوات مهمة. أولا، ينبغي إعطاء الأولوية للصناعات خارج قطاعي النفط والغاز. ومن خلال الاستثمار في قطاعات مثل الزراعة والسياحة والتصنيع والتكنولوجيا، يمكن للعراق أن يضع الأسس لاقتصاد أكثر مرونة وشمولاً.
تعتبر الزراعة من أكثر السبل الواعدة للتنويع. ويمتلك العراق، بأراضيه الخصبة، القدرة على أن يصبح قوة إقليمية في الإنتاج الزراعي. لكن هذا يتطلب تحديث أنظمة الزراعة، والاستثمار في البنية التحتية للري، ودعم صغار المزارعين. ولن يؤدي هذا إلى تقليل اعتماد العراق على الواردات الغذائية فحسب، بل سيخلق أيضًا عددًا كبيرًا من فرص العمل في المناطق الريفية.
يوفر قطاع السياحة إمكانات كبيرة غير مستغلة للنمو الاقتصادي. يتمتع العراق بتراث ثقافي غني، إذ يعود تاريخ مواقعه التاريخية إلى آلاف السنين. ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية السياحية، وتعزيز الحفاظ على الثقافة وتحسين التدابير الأمنية، يستطيع العراق جذب تدفق مستمر من السياح من جميع أنحاء العالم، وتوليد الإيرادات وخلق فرص العمل في مجال الضيافة والنقل والصناعات الأخرى ذات الصلة.
التصنيع هو مجال آخر للنمو في العراق. ومن خلال الاستفادة من القوى العاملة الماهرة والموقع الجغرافي الاستراتيجي، يمكن للعراق أن يضع نفسه كمركز للتصنيع في المنطقة. ومن المنسوجات والملابس إلى الإلكترونيات وقطع غيار السيارات، تتمتع البلاد بإمكانيات هائلة لتنويع صادراتها والاستحواذ على حصة أكبر من التجارة العالمية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن قطاع التكنولوجيا يبشر بالخير كمحرك للابتكار والنمو الاقتصادي. ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتشجيع ريادة الأعمال، وتعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا الدولية، يستطيع العراق أن يضع نفسه في طليعة الثورة الرقمية، مما يخلق وظائف عالية القيمة ويدفع مكاسب الإنتاجية في جميع أنحاء الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن تحقيق الإمكانات الكاملة للتنويع الاقتصادي سيتطلب بذل جهود متضافرة من قبل القطاعين العام والخاص. وبعبارة أخرى، تستطيع الحكومة تنفيذ سياسات داعمة مثل الحوافز الضريبية للاستثمار، وتبسيط العمليات التنظيمية، والاستثمار في التعليم وتنمية المهارات. ومن ناحية أخرى، يتعين على القطاع الخاص أن يغتنم الفرص المتاحة للإبداع وريادة الأعمال، والاستفادة من موارد العراق الوفيرة وإمكاناته غير المستغلة.
ويمتلك العراق، بأراضيه الخصبة، القدرة على أن يصبح قوة إقليمية في الإنتاج الزراعي.
الدكتور ماجد ربزاده
ويتطلب ذلك تحسين بيئة الأعمال وتشجيع ريادة الأعمال، وهو ما سيكون حاسما في تعزيز الابتكار والثقافة المؤسسية. ومن خلال الحد من الحواجز البيروقراطية، وتحسين الوصول إلى التمويل، وتوفير الدعم للشركات الناشئة والشركات الصغيرة، يمكن للعراق أن يطلق العنان لإبداع وبراعة شعبه، ودفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في جميع أنحاء البلاد.
كما أن جذب الاستثمار الأجنبي سيكون مهما في تحفيز عملية التنويع. ويمكن للشراكات الدولية أن تجلب رأس المال والخبرة والتكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها، وتسريع التنمية في القطاعات غير النفطية، وتيسير نقل المعرفة. وقد أعربت منظمات مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الذي انضم إليه العراق الشهر الماضي، عن اهتمامها بدعم جهود التنويع الاقتصادي في العراق، وخاصة في القطاع المصرفي، كجزء من استراتيجية أوسع للتنمية الاقتصادية الشاملة وتنمية القطاع الخاص.
كما يمكن للعراق استكشاف التنويع في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومع وفرة ضوء الشمس والمساحات المفتوحة الواسعة على مدار العام، يتمتع العراق بالقدرة على تسخير الطاقة الشمسية على نطاق واسع. ومن خلال الاستثمار في البنية التحتية للطاقة الشمسية وتشجيع اعتماد تقنيات الطاقة المتجددة، تستطيع بغداد تقليل بصمتها الكربونية، والحد من تأثير تغير المناخ، وخلق فرص جديدة في الاقتصاد الأخضر.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون الاستثمار في التعليم وتنمية المهارات ضروريا لتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة لاقتصاد متنوع. ومن خلال توسيع نطاق الوصول إلى التعليم الجيد والتدريب المهني وفرص التعلم مدى الحياة، يستطيع العراق تمكين شعبه من الازدهار في الصناعات الناشئة والتكيف مع متطلبات السوق المتزايدة.
وفي نهاية المطاف، تمتد فوائد التنويع الاقتصادي إلى ما هو أبعد من تقليل اعتماد البلاد على عائدات النفط. ومن خلال بناء اقتصاد أكثر تنوعا وديناميكية، يستطيع العراق تطوير قدر أكبر من القدرة على التكيف مع الصدمات الخارجية، والحد من البطالة، وتخفيف حدة الفقر، وتعزيز الاندماج الاجتماعي. علاوة على ذلك، فإن التنويع الاقتصادي سيضع الأساس لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا لجميع العراقيين، مما يفتح فرصا جديدة للنمو والازدهار في جميع أنحاء البلاد.
وفي الختام، يقف العراق عند منعطف حاسم في رحلة التنمية الاقتصادية. ومن خلال تبني التنوع الاقتصادي، يمكنها رسم مسار نحو قدر أكبر من الاستقرار والازدهار والقدرة على الصمود. ومن خلال الاستثمارات الاستراتيجية في الزراعة والسياحة والتصنيع والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والتعليم وريادة الأعمال، يمكن للعراق أن يفتح آفاقا جديدة للنمو، وخلق فرص العمل، وخلق مستقبل أكثر إشراقا للأجيال القادمة. وبالتصميم ومزيد من الجهد، يستطيع العراق بالفعل تحويل اقتصاده وتمهيد الطريق لغد أكثر ازدهارا.
• دكتور. مجيد ربزاده هو عالم سياسي إيراني أمريكي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد.
العاشر: @Dr_Rafizadeh
إخلاء المسؤولية: الآراء التي عبر عنها الكتاب في هذا القسم خاصة بهم ولا تعكس بالضرورة آراء عرب نيوز.
“مخضرم وسائل الإعلام الاجتماعية. هواة الطعام. رائد ثقافة البوب. النينجا التليفزيوني.”
More Stories
الانتقام في الشرق الأوسط: هل إيران التالية بالنسبة لحزب الله؟
البرازيل تهدد بإيقاف القاضي X عن العمل خلال 24 ساعة
تعلن المؤسسة العربية الأمريكية عن المتحدثين والفنانين، تواصل مع أمريكا العربية: قمة التمكين 25-26 أكتوبر 2024